×

عاطف السيد يكتب : حريق سنترال رمسيس .. النار التي أحرقت أسلاك الثقة الرقمية

كتب - عاطف السيد

عاطف السيد يكتب : حريق سنترال رمسيس .. النار التي أحرقت أسلاك الثقة الرقمية

الكاتب الصحفى عاطف السيد

في قلب القاهرة، وتحديدًا في مبنى سنترال رمسيس، اندلعت نيران ضخمة التهمت واحدًا من أهم مراكز الاتصالات في مصر، لتتحول اللحظة إلى ما يشبه الصدمة الوطنية، ليس فقط بسبب الخسائر البشرية التي خلفها الحريق، وإنما لأن الحدث كشف عن ثغرة مؤلمة في البنية التحتية الرقمية للبلاد. مشهد الدخان المتصاعد من طوابق السنترال لم يكن مجرد مؤشر على حريق اعتيادي، بل رمز لانكشاف فجائي لمنظومة يفترض أنها عصب التواصل الرقمي في الدولة.

الانفجار التقني في مركز الاتصالات

وقع الحريق في أحد الطوابق الحيوية حيث تتمركز الكابلات والمعدات الفنية، ومعه اندلعت حالة من الذعر، تبعتها ارتباكات في خدمات الاتصالات، والإنترنت، وأنظمة الدفع الإلكتروني في عدد من المناطق، بل ووصل التأثير إلى بعض خدمات الطوارئ. وسرعان ما أعلنت وزارة الاتصالات أن السبب المحتمل هو ماس كهربائي، في وقت كانت تتصاعد فيه المطالبات بالتحقيق في مدى الجاهزية الأمنية والتقنية لمثل هذه المنشآت الحساسة.

تحركت الدولة بسرعة لاحتواء آثار الحريق، حيث دفعت الحماية المدنية بعدد من سيارات الإطفاء، كما حضر وزير الاتصالات إلى موقع الحادث، وتم استعادة الخدمات تدريجيًا بتحويل الشبكات إلى مسارات بديلة. لكن السؤال الجوهري الذي فرض نفسه كان: لماذا لم تمنع الأنظمة المبكرة هذا الحريق من الانتشار؟ أين كانت أنظمة الإنذار الآلي؟ ولماذا لم تكن هناك بنية مزدوجة لتقليل الضغط عن نقطة مركزية بهذا الحجم؟

فجوة البنية الرقمية والتأمين التقني

ما كشفه الحريق أبعد من مجرد تقصير تقني أو صدفة كارثية. هو انعكاس حقيقي لوجود فجوة واضحة بين طموحات التحول الرقمي في مصر، وبين البنية التحتية التي تحمل هذه الطموحات على عاتقها. الاعتماد الكبير على سنترالات مركزية بدون وجود توزيعات احتياطية قوية أو أنظمة تشغيل مرنة يجعل الشبكة الرقمية هشة في مواجهة أي خلل طارئ. وبقدر ما يُشار إلى الإنجازات التكنولوجية التي حققتها مصر مؤخرًا، فإن الأساس البنائي لهذه الإنجازات لا يزال يحتاج إلى إعادة نظر.

الطريق إلى الحل.. ما بعد الرماد

الخروج من هذه الأزمة يجب أن يكون أكثر من مجرد ترميم، بل مراجعة شاملة لتأمين مراكز البيانات ومواقع الاتصالات. يشمل ذلك تطوير الأنظمة القديمة، وزيادة كفاءة أنظمة الإطفاء الآلي والإنذار المبكر، وتوزيع مراكز الخدمة جغرافيًا لتفادي مركزية الضرر، وبناء كوادر مدربة على التعامل مع الأزمات الفنية المعقدة. كما ينبغي أن يكون هناك إشراف مستقل ومراجعة دورية لمنشآت الاتصالات الكبرى، بما يعزز من قدرة الشبكة القومية على الصمود أمام الطوارئ.

حريق سنترال رمسيس يجب ألا يُنسى مع إطفاء آخر شعلة. فالدروس المستخلصة من هذا الحدث تتعلق بثقة المواطنين في البنية الرقمية، ومدى استعداد الدولة للتوسع الذكي الآمن. وإذا كانت الرقمنة هي رهان المستقبل، فإن حماية هذا المستقبل لا تكون فقط بالكوابل والسيرفرات، بل بمنظومة تأمين متكاملة تقي البلاد من الاحتراق، سواء بالنار أو بفقدان الثقة.

الكاتب الصحفى عاطف السيد